موقع محمد فيصل شيخاني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


توثيق مؤلفات وابحاث ومحاضرات المؤلف
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رحلة عام 1966 إلى أوربة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
bouztel
المشرف العــام
المشرف العــام



عدد المساهمات : 8
تاريخ التسجيل : 31/07/2010

رحلة عام 1966 إلى أوربة Empty
مُساهمةموضوع: رحلة عام 1966 إلى أوربة   رحلة عام 1966 إلى أوربة I_icon_minitimeالجمعة سبتمبر 03, 2010 3:33 pm

رحلة عام 1966 إلى أوربة
بقلم محمد فيصل شيخاني

مقدمة :
فطر الإنسان منذ وجد في هذا الكون على حب التنقل والارتحال من مكان إلى آخر . وذلك من أجل تحقيق حاجات متعددة :
لتأمين الغذاء أو انتقاء المكان الأفضل لحياته .
ثم تتابعت رحلاته للبحث عن المناخ الملائم والمريح لجسمه صيفاً وشتاء وكانت تلك الرحلات فردية أحياناً وجماعية أحياناً أخرى وكانت بعض تلك الرحلات بقصد التجارة أو الحروب أو لاكتشاف أماكن جديدة كما حدث عند اكتشاف القارة الجديدة أمريكا .
ومنذ بدء العصور التاريخية نقرأ في الوثائق عن أفراد عظام قاموا برحلات ووصفوا ما شاهدوه من سلوك أفراد بقية المجتمعات وما فيها من عجائب الكون. وكان بعضهم يصف الأمكنة التي زارها من الناحية الجغرافية والبعض الآخر يصف التجمعات البشرية التي قابلها والعادات السائدة في تلك المجتمعات .
ومن أشهر الرحالين الإغريق هيرودت الذي يطلق عليه اسم أبو التاريخ كما كان للعرب فضل كبير في الاكتشافات الإنسانية للشعوب والأماكن الجغرافية مثل رحلات ابن بطوطة والإدريسي وغيره كثيرين .
وفي العصر الحديث صارت الرحلات تقام لغايات علمية أو لغايات استعمارية وعندما ساد الأمن والتقدم الاقتصادي والتقني قامت الرحلات السياحية وتعددت وكثرت مناطقها ، وخاصة بعد الهول الكبير في الاختراقات التي أطاحت بوسائل التنقل القديمة وخاصة حيوانات الجرّ والعربات البدائية وانتقلت إلى الوسائل الحديثة كالسيارة والطائرة والباخرة .
وقد ساير تقدم الرحلات ظهور أدب الرحلات الذي ظهر في الشرق والغرب ونهج فيه أصحابه مسالك متعددة من الأساليب والوصف كما ظهر أدب الرحلات الخيالية وخاصة في انكلترا مثل رحلات ( روبنسون كروزو ) ورحلات ( جليفر ) وقد اعتمد أصحابها الأدب الهزلي الناقد في حياكة هاتين القصتين وغيرها كثير .
جرت عادة بعض الرحالة أن يقوموا برحلاتهم لغرض ديني مثل رحلة ابن بطوطة التي كان يهدف منها زيارة ومكة والمدينة كما أن بعض الرحالة كانوا يبغون من سفرهم الكسب المادي او معرفة أحوال البلاد التي يزورونها وأغلب وصفهم فيما كتبوه عن حال البلاد التي زاروها من النواحي الجغرافية والجماعات التي التقوا بها .
* * *
أمام ما أهدف إليه من موضوع كتابي وهو ملامح إنسانية أثناء الرحلات فهو وصف النواحي الإنسانية التي ظهرت من الأفراد المشتركين معي برحلة عام 1966 أو من الأفراد الذين صادفتهم أثناء الرحلات من الشعوب التي مررنا في بلادهم .
ولا بد لي من ذكر أمرين قبل التحدث عن الرحلة الأمر الأول يخص الدراسة الجامعية التي بدأتها والأمر الثاني هو انتقالي ولمدة عام إلى التدريس في مدارس شركة نفط العراق ولهذين الحدثين تأثير وسبب في قيامي بهذه الرحلة .
ـ مضيفاً إلى هذين الأمرين رأي في تأمين تلك الرحلة أو التفكير فيها .
ـ منذ بداية الستينات ظهرت في مدينة حمص ميول كثيرة لدى الأفراد للسفر والسياحة خارج القطر بسبب الوعي الثقافي والتقدم الاقتصادي والأسعار المعتدلة في أوربا خاصة ، فقامت عدة رحلات جماعية وبالباص وبأسعار معتدلة يقدر عليها أواسط الناس ، وقد صدف أن كثيراً من أصدقائي قاموا بتلك الرحلات وملأوا أسماعنا ذكريات جميلة عن الأماكن التي زاروها وعن الأفراد الذين قابلوهم وعن المستحدثات في الأبنية وأساليب العيش والتنقل ، وكان لي صديق ممن سافروا عدة مرات إلى أوربا وحكى لي ما شاهده كما يذكر لي عن سفرته المقبلة وما هي الحاجيات الضرورية التي يحملها معه . كما كان يؤكد لي أن راكب الباص مع زملائه مريض . يجب تحمله لأن السفر محك للأشخاص ومعرفة معادنهم ، وكنت عندما أسمع ذلك أغبطه من كل قلبي ولا أحسده . ومن الطريف أنني لم أكن أسمح لنفسي أن أحلم بالسفر إلى أوربا بسبب المسؤوليات العائلية وحاجة السفر إلى مبالغ كثيرة ولأن علي واجبات أسرية اتجاه الأهل كما كان علي دفع مبالغ من أجل تسديد أقساط المسكن التعاوني .
أما الأمران المهمان وهما : الدراسة الجامعية في وقت متأخر والنقل إلى مدارس شركة نفط العراق فلهما علاقة بالرحلة التي سأتوه عنها بعد شرح هذين الأمرين.
ـ كانت العادة أن ينقل بعض المعلمين من مدارس المدينة للتدريس في مدارس شركة نفط العراق برواتب مغرية ولمدة سنة واحدة في العمر كان يبلغ راتب المعلم ما يقارب ألف ليرة تعادل في وقتنا الحاضر عشرين ألفاً .
ـ وفي العام الدراسي 1965 – 1966 كنت من الذين كتب لهم الحظ بدخول باب الجنة أي التدريس في مدارس شركة نفط العراق ، حيث أتقاضى الراتب المذكور وهو أكثر من ثلاثة أضعاف ما كنت أتقاضاه في المدينة . ويقدم لنا أيضاً السكن المريح والتهوية والتدفئة ودخول المطاعم الفاخرة في الشركة مجاناً أي أن يعيش في حلم لسنة واحدة .
ولكن مما كان يكدر علينا العيش أحياناً البعد عن أفراد العائلة مع أن وجودي في الشركة أمن لي شراء ثلاجة وهاتف وتلفزيون وغسالة ودفع بعض أقساط المنزل وفوق هذا زيارة أوربا .
ـ أما الأمر الثاني ففيه شيء طريف لا بد من ذكره كنت أحلم دائماً أن أتم دراستي الجامعية ولكن عوائق كثيرة كانت تقف أمامي وقد صادفتها إذ انتسبت عام ( 1954 ) إلى الجامعة ولم استطع أن أكمل دراستي آنذاك للقسط الكبير للجامعة وثمن الكتب ونفقات الانتقال والإقامة ، ولذلك انتظرت عشرة أعوام حتى استطيع أن أحقق حلمي بالدراسة وخاصة عندما خفض القسط الجامعي وتحسنت الأمور المالية لحد ما معي . وقد انتسب عام 1965 ثم ترددت قليلاً بسبب قلة المراجع والكتب ولكني تقدمت أخيراً للامتحان وقبل أن تظهر النتيجة التحقت بعملي في مدارس الشركة .
* * *
ـ وكانت العادة في الشركة أن يحضر المعلم إلى حمص كل أسبوعين وكالعادة وحضرت إلي البيت فقابلتني زوجتي بوجه متجهم وقبل السلام علي قالت : إذ كنت رجلاً كبيراً وليس باستطاعتك الدراسة ؟ لماذا تدرس في الجامعة ؟ تريد بهدلتنا أمام الجيران وأمام الآخرين .
فاستفهمت منها عن السبب وكنت قد طلبت من صديق لي له أقارب في دمشق ليستعلم لي عن المواد التي نجحت فيها فجاء خبر رسوبي في كل المواد التي قدمتها وكانت هذه فرصة لجارتنا التي تسكن فوقنا لتقف في شرفة منزلها العالية وتدعو صويحباتها في الجيرة للاحتفال بزوجها لنجاحه في ثلاث مواد ، متابعة حديثها إلى الجيرة قائلة جارنا أبو جلال زوج أم جلال رسب وتردد ذلك مراراً وتكراراً . وهذا ما أفزع زوجتي وجعلها تغلق النوافذ والأبواب فقلت في نفسي في تلك المواد عوضتها بالذهاب إلى مدارس الشركة وأثناء وجودي في الشركة في الأسبوع الذي تلى ذلك جاءني هاتف عن طريق الشرطة ، ومن زوجتي بالتهنئة بأنني نجحت بكل المواد وذلك لأن الاسم الأول بحث عنه بحرف الفاء باسم فيصل بينما الاسم الحقيقي بحرف الميم أو محمد فيصل شيخاني .
مضى العام الدراسي ويظهر أن مجموعة من الأصدقاء في الجمعية التعاونية الاستهلاكية هيأت الرحلة إلى أوربا وقد بحثوا طويلاً عمن يمتلك مالاً للرحلة فوجدت نفسي ممن وقع عليهم الاختيار لأنني مناسب للسفر لأوربا نفسياً ومادياً وكنت ذكرت ذلك في حلقة سابقة .

الاقتناع بالرحلة
ـ اتصل بي أحد المشرفين على الرحلة من أجل الاشتراك في الرحلة فاعتذرت بأن لدي امتحانات في الجامعة ، وكان عالماً بمواعيدها ، فأجاب :
أنها لا تتعارض مع بدء الرحلة وتابع مادحاً الرحلة بأنها رحلة العمر ، وهي رخيصة ، وباشتراك رمزي حوالي مائتي ليرة ، وأما المبيت والطعام فلا يكلف شيئاً لأننا ستمكث في بيوت الطلبة ، وأجورها رمزية وعند ذكرته بصعوبة إخراج جواز السفر وكلفته أجاب بأن جواز السفر سيكون جماعياً ولا يكلف كثيراً .
ملاحظة : وسأصف في مكان آخر مزايا وعيوب ذلك الجواز الذي سميته ( الجواز الفنار ) واستطرد حديثه بمدح الرحلة والباص المريح والرفقة الجيدة وما شابه ذلك من إغراءات ، وبعدئذ كان علي أن أقرر وأوافق من نواح نفسية ومادية وأثناء حديثه معي كنت لا أصدق ذلك ؟ أصحيح سأسافر ؟ في هذه الرحلة وهل بإمكاني ذلك ؟ هل سأزور تلك الأماكن كما ورد في برنامج هذه الرحلة بإحدى عشرة دولة أوربية ؟ .. ولذلك عندما ودعته بانتظار إعلان رأيي في اليوم التالي صرت أذكر المسؤوليات المترتبة علي من واجبات الأسرة وغيرها ...
وكنت قد أوصيت على ثلاجة لم تصلني بعد كما كان علي انتظار دوري في الهاتف وهو يوافق في تاريخه غيابي عن البلد .. ولكن التسهيلات التي ذكر ما صاحبنا جعلني أميل للموافقة وخاصة أن مبلغها قليل وقد هيأت لأهل البيت ما يلزمهم وأولادي نجحوا في صفوفهم والوقت عطلة أي أن عنصر الترجيح كان الأقوى .

موافقة الأهل
بعد أن استنيب عزمي على السفر وقد تهيأت نفسياً لهذا الموضوع كان علي أن أعرض الأمر أمام أهل البيت . وكان ذلك فابتدأت الأمر بالزوجة بحضور الأولاد وكانت ردود الفعل متفاوتة كل ينظر في زاويته الشخصية حسب عمره وإدراكه فكان رأي الزوجة بأنه لا ضرورة لهذه الرحلة فهناك أمور أهم من تلك الرحلة وذلك لصعوبة تأمين مواد المعيشة ! وعندئذ تبرع الأولاد بأنهم سيقومون بالمهمة ، وذلك رغبة منهم بالهدايا وبأنهم صاروا رجال البيت . وهكذا حصلت على الموافقة الإجماعية وكانت جارة لنا اقترحت على زوجتي عمل استخارة لكن الموافقة من الأفراد جعل الجارة تسترد اقتراحها .

الاستعداد للرحلة
لقد نصحنا من سبقنا إلى هذه الرحلات بالأدوات واللوازم التي يجب أن نصطحبها معنا من وسادة وغطاء عند الضرورة وملابس معينة ونصحنا آخرون بتأمين بعض الطعام المحفوظ وآخرون نصحونا بالأماكن التي يجب أن نزورها وتطوع بعضهم بإعطاء نصائح اجتماعية لمعاملة المرافقين للرحلة ، وكيفية صرف العملة والتحويل إلى عملات مختلفة ، والطرق التي يجب أن نسلكها والحذر من بعض الأمور وكأننا ذاهبين إلى معركة من اكتشاف المجهول .


الحصول على إذن الخروج
وتأشيرات الدخول

لما كان المشرفون على الرحلة من الأصحاب ، فقد شاركت في الإعداد لها بكتابة أسماء المشتركين بالرحلة ومهنهم وتاريخ ولادتهم ما شابه ذلك باللغتين العربية والانكليزية . فهذا موظف وذاك تاجر وتلك لا عمل لها وهذا معلم .
ثم انتدب أحد المشرفين للذهاب إلى دمشق للحصول على إذن الخروج وطلب إلي باسم الصحبة والصداقة أن أشاركه في السفر لمتابعة الأمر وعند وصولنا إلى دمشق انطلقنا إلى الحصول على إذن الخروج وقد وصف أحد الموظفين بأن تلك الرحلات الجماعية ممنوعة ولا سفر هناك ولكن صاحبي ولا أدري بأي أسلوب استطاع الحصول بعد بضعة ساعات على الموافقة وكان علينا بعدئذ الحصول على تأشيرة الدخول من قنصليات الدول التي سنمر فيها .
ولما كانت الرحلة جماعية ولها هدف مشاهدة الأعمال التعاونية فقد أعطينا كتاب موجه من وزارة الخارجية إلى السفارات من أجل التأشيرات ( الفيزات ) على جواز السفر وعندما راجعت مع صاحبي إحدى القنصليات قيل أننا علينا أن نبدأ من آخر دولة سنزورها وهي فرنسا وهناك بدأت أول لمحات إنسانية أوجزها فيما يلي :
* * *
قال صاحبي هذا موظف رجل لا أريد التعامل مع الرجال فلتتفضل أنت بمقابلته وسنعتبرك أحد المشرفين . ولكن حين إجراء الحساب النهائي في نهاية الرحلة أخذ مني مبلغ الاشتراك كاملاً مثل بقية المشتركين.
وذهب صاحبنا بعيداً وسلمني جواز السفر الجماعي . فأسقط في يدي وأقبلت على الموظف القابع على الهاتف والذي نظر إلي نظرة نفاذه وبحدة في صوته ماذا تريد ؟ وبلهجة مشوبة بالعربية والفرنسية ، فأجبته بمثل نبرة صوته لدينا جواز سفر ونريد تأشيرة ؟ فسأل : بنفس اللجهة ما اسمك أنت ؟ فأجبته باسمي وبنفس اللهجة وتابع قوله ألم تعرف من أنا ؟ ولفظ القسم الأول من اسمه وهو [ بيدرس ] فأكملته بالكنية وتذكرت صاحبنا وكان لقاء جديداً طريفاً فقد كان مدير مدرسة الأرمن في الحسكة والذي كنت منتدباً للتعليم فيها فعدنا بالذاكرة ستة عشر عاماً وقد تناول جواز السفر الجماعي بخمسة وأربعين شخصياً وذهب الرجل بنفسه وأنهى المعاملة ( تأشيره السفر إلى فرنسا ) وكانت عندئذ ( 26 ) ليرة على الفرد . وقد كان برفقتنا جواز سفر لسيدة أرمنية لبنانية زوجها سوري فرجعت إليه وقلت هذه قريبتك فقال بلهجة أرمنية محببة ( أنا عاملت منشان واحد صداقة ما شان واحد أرمن ) فطيبت خاطره واعتذرت منه وشكرته وباعتبار أن القنصلية الفرنسية وبواسطة هذا المدير السابق لمدرسة الأرمن لم نأخذ رسم الدخول فقط عاملتنا أكثر الدول مثل ذلك فشكراً لذلك الصديق .
وفي اليوم التالي كان علينا أن نأخذ تأشيرة الدخول إلى إيطاليا وكان اليوم سبتاً فأصر المشرفون هناك على دفع رسم التأشيرة يوم الاثنين مع تأخير الموعد . فهرعنا مسرعين إلى وزارة الخارجية وكان هناك موظف حمصي اتصل بالقنصلية وطالبهم بالمعاملة بالمثل وذكرهم بأن سوريا أمضت تأشيرات مجانية للرحلات الجماعية وكان من أثر تدخله أن المشرفين في القنصلية أعطونا التأشيرات المجانية وبعد الدوام الرسمي فشكراً لذلك المواطن الحمصي وأظن أن اسمه وجيه الأتاسي .
ومن بين المهام التي كلفنا بها في دمشق تأمين عملات أجنبية للمشتركين في الرحلة وأجد في مفكرتي أسعار العملات آنذاك :

يتبع ....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
bouztel
المشرف العــام
المشرف العــام



عدد المساهمات : 8
تاريخ التسجيل : 31/07/2010

رحلة عام 1966 إلى أوربة Empty
مُساهمةموضوع: تابع رحلة عام 1966 إلى أوربة   رحلة عام 1966 إلى أوربة I_icon_minitimeالجمعة سبتمبر 03, 2010 3:40 pm

الملامح الإنسانية للمشتركين في بدء الرحلة

بعد أن عدنا من دمشق بالموافقة على السفر صارت الرحلة حقيقة قائمة فدعي المشتركون لأخذ تعليمات المشرفين وتحديد موعد السفر وما استجد من أمور .
وقد أقبل على الاجتماع أغلب المشتركين المتحمسين للرحلة والمتشوقين للبدء فيها حالاً . طلب أحد المشتركين وهو مدير ثانوية عندئذ تأخير الرحلة بضعة أيام ممنياً الآخرين بأن المناخ يصبح جميلاً بعد فترة وتكثر الرياحين والازدهار وذكر أنه خبير بمنطقة باريس وما حولها ويفيد بذلك أعضاء الرحلة . لكن الجمع المتلهف على بدء الرحلة أصر على الإسراع فيها . كما أن المشرفين على الرحلة بالغوا في الضرر الذي يلحق بنظام الرحلة إذا تأخرت في السير .
وطال الأخذ والرد حول موعد الرحلة وأخيراً حسم الأمر حول المشتركين بالرحلة بأنه سيعدل هو وأهله عن الرحلة إذا تأخر موعدها . وهكذا حدد موعدها في صباح 7 / 7 / 1966 فخرج المدير غاضباً على أهل الرحلة وعلى الموجودين . ورغم أنني لم أتدخل في النقاش فقد أصابني عتاب شديد من المدير عندما نقلت ابني لمدرسته ولم يقنع بدفاعي إلا عندما أقسمت له أنني لست مشرفاً على الرحلة بل أنا أحد المشركين فحسب .
واقتنع عندئذ وقبل ولدنا بالمدرسة مشكوراً .
وأثناء الاجتماع عرض أحد الأصدقاء المشتركين بالرحلة أن يود لو يسترجع العربون الذي دفعه من أجل الرحلة وقد تدخلت قبل أن ينتهي حديثه لإقناعه بالسفر لأني كنت أود أن يكون في الرحلة وقد أعلمني سراً أنه يريد سحب المبلغ المخصص للرحلة لمساعدة جار له يحتاج لمال من أجل عملية جراحية لابنه . وقد عارض أفراد الرحلة في رد المبلغ له وحاولوا اقناعه بالسفر وتلك الرحلة التاريخية ولا تحدث إلا مرة واحدة بالعمر .
ولكنه أبى أن يكون أنانياً وأصر على موقفه ، وتدخلت ثانية لاقناعهم في رد رسم الاشتراك له لأنني أعلم مقدار حبه للآخرين ومساعدته لهم وقد ازداد تقديري له وإعجابي ولم أشك البتة في صدقه ، وبعد سنين طويلة عرفني بالشخص الذي أمن له المبلغ وتدخل ذلك الشخص عندئذ وأعلمني بصدق كل كلمة قالها ذلك الصديق وأنه لم يكتف بتقديم ما خصصه للرحلة بل استدان له مبالغ أخرى .
وحرم نفسه من هذه الرحلة العظيمة وكانت سعادته أكبر بتقديمه للأخرى على نفسه وأن في شعبنا أفراد كثيرين مثله وعلى أكتافهم تبنى القيم الاجتماعية والصلات الإنسانية .
ولما كنت أنهج في النواحي الإنسانية فإني اعتبر مثل ذلك الفرد العظيم نبراساً للأمل وأن على الإنسان أن لا يقنط من رحمه الله أنه يوجد مثل هؤلاء الأفراد .
ونعود ثانية إلى الجميع المحتشد من أجل موعد الرحلة وهل تمر عن طريق حلب كسب أما عن طريق اللاذقية فأصر المشرفون على الرحلة أن يكون السفر عن طريق اللاذقية كسب لماذا ؟
وذلك لأن أحد المدرسين المشتركين بالرحلة كان يصحح أوراق الامتحان في اللاذقية وأعلمنا أن نمر لالتقاطه معنا وخاصة أن زوجته موجودة في الرحلة أيضاً .

انطلاقه الركب
جرت عادة أكثر الذين يكتبون في أدب الرحلات أن يضعوا الأماكن التي يزودونها بدقة متناهية كهدف أساسي طول الشارع وعرضه .. ارتفاع الأبنية .. المناخ .. النقوش .. والرسوم .. التقدم الحضاري الباهر .. المخترعات .. وهناك آخرون يهتمون بدراسة الجماعات الإنسانية وطريقة عيشها وملابسها وديانتها ... أما أنا فقد انتهجت نهجاً آخر لأن وصف الأمكنة صارت يغني عنها صور التلفاز والسينما والصور المختلفة .
وأما الأمر الثاني الخاص بالجماعات ودراستها فيحتاج إلى أشهر وربما إلى سنوات ورحلتنا هدفها سياحي ومدتها قصيرة ولذلك اتجهت إلى وصف الحالات الإنسانية من الأفراد المشتركين بالرحلة أو من الأفراد الذين نقابلهم من أمم أخرى والإنسان أخ الإنسان شاء أم أبى وكما يقول المثل لا يدري الإنسان من أين يجد الخير أو أين يجد هذا الخير أو فيمن يجد الخير .
ولذلك سأهتم بالدرجة الأولى بمصداقية هذا الرأي وسأعمل إلى حد ما لوصف الأماكن والعادات الجماعية والأمور الغربية التي صادفتني بشكل موافق .
وفي الزمان والمكان المحددين لوقوف الباص هرع المشتركون للرحلة إلى الباص جماعات وفرادى وقد أثقلوا أنفسهم الحقائب من كل شكل ولون وحجم كما رأيت بعض الصرر ذاهبة إلى أوربا مع أصحابها وأما الجمع المحتشد للركوب في الباص فقد شدهني منظره العجيب فهو مؤلف من كل المهن فهذا يملك فرناً وهذا تاجر حاجيات وثالث موظف وهذا مدرس وذاك معلم كما كان بين الذين شاركوا بالرحلة من يقصدون بالتداوي في يوم واحد لإنجاب الأطفال ؟ !
* * *
ـ وأما باصنا وهو من ماركة ( سكانيا ) فكانت مقاعده صخرية لقساوتها وقد انتزعت بعض المقاعد من المؤخرة لوضع وسائد وبساط تدمري وغاز دولات القهوة وأراجيل ولوازم إشعالها ومؤونة وضعت بصناديق خشبية وأقفال عليها لبعض المجموعات كما صفت فوقها الصرر بالإضافة لسطح الباص الذي امتلأ بالحقائب والأكياس ، وكأنه باص ريفي يمتلئ بحاجات المسافرين لرحلة داخلية ولكن اتجاه سفره إلى أوربا وليس إلى الريف وقد اصطبغ الباص بكل لون وشكل كما كان مدون عليه بعض آيات القرآن والحكم وسعر الركوب وقد ادعى السائق أنه لم يكن لديه وقت لطلب باص حسب الاتفاق مع مشرفي الرحلة وقد كان باصنا مثار الاستغراب في كل أنحاء أروبا وخاصة أنه لا يصنع مثل هذا الباص إلا في السويد التي تشتهر بصنعة .
* * *
ومن المفترض أن كثرة الأمتعة ستثير السائق وهذا ما حدث إذ كانت دقات قلبه تتصاعد مع كل حقيبة ثقيلة ترفع لتوضع على سقف السيارة المسكينة . ولذا وجه نظرة لأمور أخرى . ولكن نظراته كانت تسر مع الحقائب الصغيرة لبهجة اللون ومنها حقيبتي اللتين اثنى عليها بقوله ( شفتو المسافرين المذوقين ) .
بعد قليل أخذنا مواقعنا داخل السيارة وأحاطت بنا أغراضنا كأنها خط دفاع ماجينو من فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية ضد الغزو النازي .
* * *
وحوالي الساعة الثامنة صباحاً تقريباً انطلقت السيارة بحملها الإنساني والحقائبي الثمين الذي جمع الغرائب من المؤونة والملابس والهدايا وكل ما يتناوله الذهن من مستلزمات محلية وغير محلية ، وقد تسلح بعض الركاب والراكبات بالدعوات الصالحات أن نضع لأقاربهم أحجاراً بأوربة باسمهم على نمط ما يقال للحجاج من تسنح لهم الفرصة ويزوروا أوربة .
* * *
انطلق الباص من حمص بركابه وقد اتخذ كل من الأزواج المقاعد الأمامية وأما الركاب المفردين فقد كان نصيبهم بالمقاعد والوسط .
فمن المسافرين رجل وزوجته يريدان زيارة ابنهما المسافر للدراسة ورجل وامرأة يريدان الخلفة وامرأة وزوجها غايتهما التفرج ومعهما ابنتهما الصغيرة ، وقد أجلسوها مؤقتاً بينهما ريثما يجدوا المكان المناسب لها وقد وضعوا فوق ركبهم الصرر كما كان بيننا قلة من الشباب حوالي الأربعة إذا لم تخن الذاكرة كما كان هناك أخ مع أخته ومهندس أرمني مع زوجته وأظن أنهما كانا في منتصف شهر العسل . وأما جماعة العزاب ( أي الركاب المفردين ) بينهم معلم وموظف في مؤسسة المياه اتخذنا تلقائياً المقاعد ما قبل الأخيرة .
ومن الركاب المتميزين إنسان لا يتقن أي لغة ولكنه كان يملك نفسية انبساطية وكانت له أدوار إيجابية مليئة بالحركة ولنطلق عليه اسم ( أبو الجود ) وهذا سنجد له قصص حلوة سأذكرها في حينها .
وهناك مدرس وزوجته مديرة المدرسة بالإضافة إلى السائق وزوجته ومعاونه وشاركنا بالرحلة فرد لا يقرأ ولا يكتب ولا يعرف أي لغة وأظن أن حالته المادية دقيقة وقد رزق السفر وهؤلاء أذكرهم لأن لكل منهم دور إنساني سيأتي ذكره والأسماء ستكون كلها مستعارة .
انطلقت السيارة بنا وغابت أنظارنا وأسماعنا في الطريق عن بلدنا وكأننا انفصلنا عن أهلنا وشعرنا كأننا في غيبوبة ولم نشعر بوجودنا إلا عند وقوعنا في اللاذقية لالتقاط المدرس من مركز التصحيح ولم نتوقف في اللاذقية إلا قليلاً إلى مركز الحدود إلا في كسب .

الحدود السورية والتركية
ألقى موظفوا الأمن والجمارك الأنظار على حمولة الباص ومحتوياته فقرروا إنزال الحقائب للتفتيش . ويظهر أنهم ملوا من كثرة الحقائب أو لخيبة أملهم أو من أن يجدوا أشياء مخالفة للأنظمة ولذلك أعيدت الحقائب إلى مكانها وجرت الإجراءات القانونية المعتادة ولكن ببطء شديد .
وقد كان معنا أحد الركاب من كبار السن أراد أن تحضروا ابنته التي تدرس في أحد الأقطار الأوربية لتشاركنا الرحلة ولذلك أخذ مقعدين له ولابنته . وقد تمنطق بمنظار ضخم مقرب جعله وسيلة للتعارف على الركاب بطيبة وعفوية .
وعندما جاء دوري بأخذ المنظار وصوبته نحو الحدود التركية .
فشاهدت رحال الأمن والجمارك الأتراك وكأنهم يشحدون أفكارهم ويستعدون لمجابهتنا .
وفكرت آنذاك بأننا إذا قطعنا هذه الأمتار القليلة بأننا سنكون في أيد مختلفة وجماعة أخرى غير جماعتنا . فكيف يستقبلونا ؟ وما هي نفسياتهم ومعاملتهم ؟
* * *
وطريقة حديثهم : وما كدنا نصل الحدود التركية حتى صح ما توقعته حتى أنزلت الأمتعة بكاملها وخاصة بعدما شاهد الأتراك أن موظفي الجمارك السوريين ينزلون الأمتعة ويطيلون في الإجراءات وهم على ( قاي قوسين أو أدنى ) فأبقونا في مراكزهم ضعف المدة التي بقينا فيها في الحدود السورية وكما يقال ( هاتوا فك وربط للحقائب ) كما أضيف لذلك أجرة لتنزيل رفع الأمتعة وتنزيلها . وقد تعوذ بالله وتضجر معاون السائق من كثرة ما فك الحبال وربطها وأخيراً ختم جواز السفر الجماعي وأطلق سراحنا في الاتجاه نحو الشمال باتجاه انطاكيا والاسكندرونة .
وفي منطقة الحدود رغم انشغالنا بالوصول إلى أول بلد تركي أخذت بألبابنا الصور الجمالية للأشجار التي أعطت للطريق خضرة يانعة وظلاً وأرقاً ورائحة عطرة أعطت للمنطقة جواً سحرياً بهيجاً حقاً لأن تلك المنطقة آية من الجمال وخاصة أن هذا الطريق يتعرج ويتبدل مشاهده في كل لحظة جعلتنا ننسى ما عانينا من موظفي الجمارك الأتراك .




انطاكية واسكندرونة

وصلنا قبيل المغرب من 8 / 7 / 1966 إلى انطاكية وتمتعنا بالرطوبة بعد يوم حافل على الحدود ولكننا لم نمكث طويلاً وقد صادفنا كثير من سكان المدينة العرب .
لقد سعدوا بلقيانا كما سررنا بمعاملتهم وانطلقوا بأحاديثهم معنا ليثبتوا لنا أنهم يتقنون لغة الضاد لغة آبائهم وأجدادهم ورغم جمال الطبيعة في ( تل الحربيات في انطاكيا ) فإننا حسب أوامر المشرفين انطلقنا بالباص إلى الاسكندرونة ولا أزال أذكر جمال تلك الليلة في الاسكندرون في مقهى يقع قرب شاطي البحر وقد امتدت الموائد وتحلق حولها السكان تقدم لهم المشروبات المتنوعة مع الطعام. ويظهر أن صاحب المقهى تركي لأنه أرسل لنا عماله من العرب ليعرفوا طلباتنا وقد كانت جلسة رائعة في تلك الأمسية في الهواء الطلق وفي أنوار الثريات الكهربائية التي اختلطت يضوء القمر لتشكل نوراً غاية في الرقة والسحر والجمال ، ولسبب آخر أن المقهى كان قريباً من البساطة بكراسيه من القش وطاولاته البسيطة وأهم من كل ذلك سعره المعتدل والسمك اللذيذ الذي كان يقدم هناك ولا يزال رنين العربات السوداء وهي تعبر قرب المقهى ترن في أذني حتى الآن وكم تمنيت أن نمضي الليل كله في هذا المقهى المريح ( ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه ) فقبل أن نتم طعامنا جاءت أوامر المشرفين بعد عشر دقائق تكونوا في الباص .
ـ وقد غادرت جماعة الباص المقهى وفي قلوب أفرادها غصة وأطاعوا المشرفين لأنهم لا يريدون أن يظهروا من اللحظة الأولى بمظهر المخالفين .



أضنــة

منذ بداية الطريق وجدنا على جانبيه الحرف ( E 5 ) وهذا يدل على هذا الطريق المقصود في أوربة الطريق الخامس .
وهذا ما سنسلكه إلى استانبول فإذا ما وجدنا رقماً مغايراً يعني أننا خرجنا من الطريق الذي نقصده .
سار بنا الباص وبعضنا نصف نائم والآخر يفكر ويترجم العملة السورية إلى عملة تركية ويحسب هل كان العشاء رخيصاً وآخرون يتعلمون بعض المكالمات التركية من أجل التفاهم مثل ( إثبات نعم ـ يوك لا يوجد ـ ناقدر ما ثمن ؟
والأعداد : بير إكي ـ أوتش ـ دورت ) .. الخ
وقد انقضى الوقت على هذا المنوال إلى أن وجدنا أنفسنا في أضنة .
وقد ارتبطت بذهني الرطوبة الزائدة في هذه المدينة فقد كادت ثيابنا نلتصق بأجسادنا محشدة تلك الرطوبة وعندما تضجرت في هذه الرطوبة قال صاحبي من هذه المدينة كانوا يستوردون البغال الضخمة التي تزعج الناس بثقلها وضجيجها فإذا أساء إنسان التصرف وأريد توبيخه أو وصفه بالغلاظة والثقل قالوا عنه مثل ( بغل أضنة ) .
لم نجد فندقاً واحداً يلم شمل الركاب جميعهم ولذلك توزعنا على عدة فنادق وكانت الساعة تقارب الثانية بعد منتصف الليل ولذلك نسينا الرطوبة واللزوجة ونمنا في ثيابنا في أول فندق كان من نصيبنا.
وفي الصباح الباكر حصل أغلب الركاب على خبز ( أكمك ) وتجمعنا في الباص وكان ذلك يوم 9 / 7 / 1966 .

.يتبع ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
bouztel
المشرف العــام
المشرف العــام



عدد المساهمات : 8
تاريخ التسجيل : 31/07/2010

رحلة عام 1966 إلى أوربة Empty
مُساهمةموضوع: ..تابع ..   رحلة عام 1966 إلى أوربة I_icon_minitimeالجمعة سبتمبر 03, 2010 3:42 pm

السـائق

عندما أخذ السائق مكانه وراء مقوده ألقى محاضرة على الركاب بأن يكونوا رحيمين في الباص وأنه أغلى شيء عليه ولا يريد من أن يطلب لا السرعة ولا الهدوء . وقال ( أنا بزعل من يلي ما يزعلني وبخله يزعل ) .
وقد علا صوته ( ميتور سيارته ) اقترح أحد الركاب مازحاً أن يستعمل صوت السيارة ومعاملته لإرهاب العدو وعندما صرح أن السيارة أغلى شيء في حياته اقترح أن ينقل الحديث إلى زوجته والمهم أن هذا السائق لا يريد أن يتدخل أحد في شؤونه وهذا من حقه إما أن يترك أحد يزعله فهذا غير صحيح لأنه كان يزعل من أي كلمة .
أرى بمفكرني أن بعض الناس يريدون ( سو ) أي الماء .
وبعد بضع ساعات من انطلاق الباص وصلنا إلى منتصف الطريق بين أضنه العاصمة التركية (أنقرة) في تلك المنطقة توجد شلالات يانعة ماؤها بارد كالثلج في وسط منطقة فاصلة ولذا كانت كواحة في وسط بادية وكانت المياه الهاطلة في الشلال غزيرة وقيل لنا أنها تجف بعد أقل من شهر .

في أنقرة
ـ وصل الركب إلى أنقرة مساء 9 / 7 / 1969 وبالتحديد عند الساعة العاشرة ليلاً ويظهر أن المشرفين على الرحلة عرفوا سلفاً اسم فندق مشهور ( توريست ) كان بعدة نجوم في ذلك الوقت وكما يقال إذا حسن المكان ساء خلق مالكه فأطلق عليه اسم ( تور حذفنا ايست ) وأجرة المبيت فيه تساوي ( 15 ) ليرة تركية أي ما يزيد على الدولار بقليل .
كان أول عمل لنا بعد أن اخترنا غرفنا وأسرتنا أن ننطلق إلى العشاء صادفنا أول مطعم فتحلقنا فيه حول مائدة كان بقربها طاولة أخرى تحلقها عائلة تركية يتصدرها ضابط جيش أو بوليس ، نادى هذا الضابط المسؤول عن المطعم فإذا به يأمر العمال بارتداء ملابسهم الرسمية تامة وفتح ( وجاق النار ) وطبعاً طلبنا ( شيش كباب ) وبعد قليل صدحت الموسيقى بالأسطوانات العربية في مطعمين مجاورين وكأنهما يتنافسان في استقبالنا .
وقد أقبل النادل علينا باللحم دون سلطة معتذراً آسفاً بأن الوقت قد تأخر ونفذ مالديهم من خضار . وقد علمنا فيما بعد بأن الدوام قد انتهى واستمر افتتاح المطعم من أجل استقبالنا وأظن أنه كان عددنا ( تسعة أشخاص أو عشرة ) .
وفي طريق عودتنا إلى الفندق صادفنا عادة يتبعها سكان أنفرة حيث يبيع يعطى الباعة المتجول ( الخيار المقشر ) أمام الزبائن كعادة بيع العرانيس عندنا مثلاً .
وفي صبيحة 10 / 7 / 1966 انطلقنا إلى زيارة ضريح ( أتاتورك وقد بنى في مكان مرتفع على نمط المعابد القديمة . ثم أعقب ذلك زيارة حديقة الحيوانات وقد قمنا بالتجول في أنحائها وقد افترشت بعض أماكنها بعض العائلات الشعبية بأطعمتها وشرابها وقام ( أبو الجود ) من فريقنا كعادته مازحاً بطلب ماء من إحدى العائلات مبدياً صداقته ورغم عدم معرفته اللغة التركية صارت له شعبية سريعة .
* * *
وأهلاً وسهلاً وأهلاً وسهلاً يا شام شريف وصارت كل عائلة تدعوه للشرب من شايها ومائها . وكان يرفع يده محيياًً الجميع بكلمات عربية وجموع هذه العائلات ترحب به وكأنه ممثل شهير أو بطل رياضي . إن بعض الأفراد يمتلكون خصائص تجعلهم بتصرفاتهم قريبين من قلوب الآخرين .
وقد كان أحد أفراد الرحلة لديه آلة تصوير حسب اهتمامه في تصوير القردة دون بقية الحيوانات وأظن أنه استهلك فيلماً كاملاً لتلك الصور وفي مساء هذا اليوم كان نصيبنا أن نزور مدينة الشباب حيث يوجد هناك بحيرة اصطناعية وضعت فيها مادة الفلور فيدت خضراء كنبات السلق وقد تخلل المكان مدينة ملاهي ومقاهي ومطاعم وقد زينت مداخل الحديقة بمصابيح كهربائية عن ( أتاتورك ) ومدينة الملاهي تشبه غيرها من باقي المدن ولكن الشيء الملفت للنظر أنه ترك بين كل ملهيين مساحة كافية، من الأرض المعشو شبه للأفراد والجماعات الذين يأتون بطعامهم وشرابهم ليجلسوا فيها مجاناً ويتمتعوا بمنظر المياه والحديقة .

الطريق إلى استانبول
وفي مساء نفس اليوم أي 10 / 7 / 1966 وعند الساعة الثامنة انطلقنا إلى استانبول فوصلناها الساعة ( السادسة صباحاً ) وكان أغلبنا قد جعل كرسيه سريره في الباص ونام مطمئناً ، وبعد مغادرة أنقرة بقليل وصلنا إلى إحدى الاستراحات فأقبل شاب يتقن العربية ونصحنا بعدم شراء زجاجات الماء لأنها نفس مياه الصنابير العامة وأن شركة الزجاجات ماهي إلا شركة مشبوهة وأنانية وهمها الربح وقال متأثراً هل يجوز أن يبيعوا الماء وهو من عطاء الله ؟
نحن حتى الآن في البر الآسيوي في استانبول وها هم الركاب يتمونون ( بالأكمك ـ الخبز ) وبعض المياه الغازية استعداداً للانطلاق بالعبارة التي يسمونها صندل إلى البر الأوروبي لأن الجسر المعلق لم يكن قد بني بعد وكان رسم الانتقال ليرتان تركيتان على كل فرد .
وكان صاحب المنظار قد أخذ موضعاً مناسباً من السفينة الناقلة وقد تشبث بمنظاره وهو يرقب جوانب استانبول وأبنيتها .
وفي الحقيقة حفل باصنا بشخصيات من كل شكل وثقافة ولون ولكنهم بمجموعهم أناس طيبون ومن بينهم فرد لم يغادر حمص البتة إلى أي بلد كما أعلمنا وهو أمي فكان يتنقل ويرى ويحمد ربه كما كان لدينا ومن الركاب أيضاً عروسان أرمنيان كانا غاية في الرقة والهدوء وقد صدف أن جلسا في مقهى ( بصوفيا ) في بلغاريا أقبل أحد المصورين وصور صورة الزوجة الأرمنية قائلاً أنه أجمل من صادف في أوربا قد كان سائحاً من أوربا الغربية وهناك السائق الحريص على باصه وكانوا يقولون أنه يخاف على باصه وكأنه لا يصدق أن الباص ملكه. أما معاونه فكانت كل كلماته التي يسمعها ارجع إلى اليمين وإلى اليسار .. الخ وطبعاً كان مع سيده على السراء والضراء .
ويظهر أن سائقنا هذا يتبع المثل الذي يقول ( اقطع رأس القط من ليلة العرس ) وهنا كان القط الركاب المساكين حتى نال المشرفين الشيء الكثيرين دلالة رعونته.

زيارة توب كابي
وفي استانبول كاو أول شيء في برنامجنا زيارة متحف وقصر السلاطين ( توب كابي ) .
كان لدى أحد المشرفين على الرحلة بطاقة صحفية كان يستعملها غالباً لفتح الأبواب أمامه ومن معه حيث يزور بها المتاحف ودور الآثار مجاناً وطبعاً لقد فعلت هذه البطاقة هذا السحر ودخل معظمنا إلى المتحف مجاناً .
وأما الآخرون فقد دفعوا الرسوم وفي المتحف اشتكى بعض أصحابنا بأن ( مأمور المتحف ) وموظفيه يجمعون آلات التصوير معهم بينما يتركون الأجانب يحملون كاميراتهم .
فأخذ هذا الحماس في فذهبت إلى هذا الموظف مجتمعاً باللغة الانكليزية عن هذا التصرف وأنا كما يقولون أزمجر وأرعد .
فإذا بالموظف يتكلم بالعربية المكسرة ويقول لطفاً الكاميرا عليها رسوم وقد دفعها هؤلاء ويتابع ( لا تزعل إكراماً لك سنعيدها لأصحابك مجاناً وأهلاً وسهلاً ) وكان عند ذلك يرقب على كتفي ويصافحني بحرارة قائلاً أن الذي يثور يملك كثيراً من الصدق فشكراً له .
وفي هذا المتحف لقد جمع فيه تاريخ تركيا وتقريباً وأذكر هنا بعض ما شاهدته فيها منها قاعة ( للقيشاني ) حيث نرى فيها أوعية كبير بشكل ( عيتاويات ) كان في القيشاني المزخرف وهناك أوعية من البلور وتحف أخرى من القيشاني وشمعدانات وساعات فضية وأوان لحفظ الوثائق وهي من الفضة وبعضها من الذهب كما توجد مقادير من الأدوات النحاسية الكثيرة .
* * *
وملابس السلاطين منذ وجدوا في منطقة الأناضول ويتبعون طريقة لحفظها بوضعها بين اللباد وشاهدنا في المتحف مجوهرات متعددة وأدوات زينة من المرمر وأوعية ( وأراجيل ) وساعات تصدح بالموسيقى ، وأنواع من الفرو ، وقد شاهدنا قاعة خصصت للسيوف والأسلحة ورموز السلاطين حتى الأسرة الصغيرة وأغلفة ذهبية للكتب الدينية وعرش من الذهب وشاهدنا الماسة الكبيرة التي يقال أن ثمنها كان جزيرة قبرص التي نالها الانكليز ثمناً لها . وهناك مطبوعات وصور ملونة للسلاطين ورموز .
مهما أحب الإنسان مشاهدة المعالم الجديدة والأشياء الغريبة فإن الملل يتسرب إلى نفسه بعامل التعب أو طول الزمن وهذا ما دعاني إلى أن أسرع الخطئ للخروج من المتحف لأنعم بقليل من الراحة فأسرعت باختصار مدة مشاهدة نفائس المتحف وأسرعت إلى باب الخروج وهناك وجدت مصطبة كان بجلس في الماضي الحراس ، أما الآن فهي مجرد رمز لما مضى فاتخذت جانباً قريباً من الباب وقعت عليه مسترخياً من تعب الثلاث ساعات من التفرج .

لقاء مع شاب تركي
على غير انتظار وبدون إذن اتخذ شاب مجلسه بجانبي ويظهر أنه الآخر قد مل السير الطويل ، واستولى عليهم التعب كما استولى علي ، وقد عرفت فيما بعد أنه تركي .
فقد سألني بلغته عن الوقت فعرفت أنه يسأل عن الساعة فمددت له يدي فأظهر امتنانه مني .
ويظهر أنه حسبني تركياً إذ ألقى علي سؤالاً فلم أعلم ما قال فتبين له أنني لست تركياً فسألني هل تعرف الإنكليزية ؟ فبدأنا نتفاهم سوياً لهما فعرف بأنني عربي مسلم كما كان يتمنى .
ثم أعلمني بفخر أنه تركي مسلماً ( مسلمان ) وأضاف أنه ليس مسلماً فقط بل عنده اعتقاد وقالها بالانكليزية ( بيليف ) فقلت له هل عندك إيمان ؟ قال مثل هذا .. وبقي ينتظر الإلهام ليبين لي الصفة الثانية غير الإسلام عنده حتى قلت له مؤمن فانفردت أسارير وجهه وكرر كلمة مؤمن بدون الهمزة وأعلمني بانكليزيته الركيكة أنه في نهاية المرحلة الثانوية وأن والده كاتب وأن الشباب لا يصلون وهو منهم ولكن أبوه يصلي غالياً في المسجد ، وأخبرني سراً وكأنه يكشف عن سر عظيم بأن أباه يتكاسل أحياناً عن الصلاة في الجامع قائلاً أنا رجل كبير وقال أنه يحب العرب .
بعد قليل أقبل أحد زملاء الرحلة تعباً وأخذ مجلة بجانبي أيضاً .
ـ فبادرني الشاب التركي هل هذا عربي ؟ قلت بلى وهو ( مسلمان ) فقال في حدة ( يوك عرب يوك إسلام ) فأكد له صاحبي أنه عربي ولكنه قال في حدة ( يوك يوك ) فاستفسرت عنه لماذا وبالانكليزية البسيطة قال ما أدراك أنه ليس عربياً وليس مسلم فقال ( الله أعلمه ) .
ثم أقبل زميل آخر في الرحلة هو السيد أبو انطون فقلت : وهذا ماذا تحزر عليه قال على شاكلة الأول وانتهى الحديث بضحكات ومزاح ولم نفلح بإقناع الشاب التركي أن الاثنين مختلفان .


















نظام متحف توب كابي
لاحظت لوحة قرب الآثار الإسلامية العربية في متحف توب كابي ( باب مدفع ) كتب عليها هذه الأماكن عزيزة على قلب الشعب التركي نرجو احترامها ، كما لاحظت أن الدليل الذي يشرح في الانكليزية يذكر الرسول الكريم والصحابة العرب التي توجد آثارهم في المتحف يذكرون بالإجلال والإكبار ، كما أن الغبار الذي يتجمع على هذه الآثار يكنس ويرمي في بئر جاف بعكس بقية الغبار الذي يرمي في أمكنة أخرى ولله في خلقه شؤون .

صفات كل مدينة
يظهر أن للمدن ملامح خاصة فبلدة تستقبلك وتشعر بالرضى فيها وأخرى ينقبض صدرك من مرآها ووجودك فيها ، كما ترى مدينة كأنها سيدة ترحب بك وأخرى تظهر الكبرياء أو التجهم والعبوس .
لقد شعرت عندما قضينا فترة قصيرة في مدينة الاسكندرون كأنها ترحب بنا وتتشبث بكل السبل للتمسك بوجودنا في تلك الليلة القمراء والجو الخيالي البديع وخاصة في ذلك المقهى الذي انتثرت موائده بأضوائها اللطيفة وكأنها نجوم براقة بديعة وكان هذا حال انطاكية .
* * *
أما أضنة فقد استقبلتنا بوجه عبوس لزج قمطرير فلم نصدق كيف يطلع النهار لنتخلص من أسرها ولزوجة الجو فيها لقد تنفسنا الصعداء عندما تحركت السيارة الكبيرة بنا وحمدنا الله على أنها ليست في برامج الرحلة وقد بقينا فيها اضطراراً.
أما أنقرة فكانت في حال متوسطة بين القبول والرفض وكأنها حيادية لا تجرنا على البقاء فيها ولا تتشبث بوجودنا وفي بالوقت نفسه لا تضيق ذرعاً بنا . أما استنبول فمدينة مختلفة وجماعة أمم متعددة فيها كل ما يجذب ممن يحب التاريخ

...يتبع .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
bouztel
المشرف العــام
المشرف العــام



عدد المساهمات : 8
تاريخ التسجيل : 31/07/2010

رحلة عام 1966 إلى أوربة Empty
مُساهمةموضوع: تابع رحلة عام 1966 إلى أوربة   رحلة عام 1966 إلى أوربة I_icon_minitimeالجمعة سبتمبر 03, 2010 3:43 pm

والآثار والماضي العريق للأمم التي سادت ثم بادت ، وفيها عبقرية البناء في المساجد والقصور والأسواق والقباب والأسوار ، كما أنك تشعر أنها مدينة متميزة ترضي غرور الجميع وتنعش نفوسهم بالآمال . فهي كسيدة جمعت الثقافة والجاذبية والفن ومختلف لوازم الحياة والمقتنيات والموقع الهام وبوابة بين الشرق والغرب بين الماضي والحاضر . فقد مرت عليها العصور والدهور تتعاورها الأيدي ولكنها أثبتت دوماً وجودها وبقاءها ، فهي حبيبة إلى كل القلوب ولا يزال يلف بعض أقسامها الغموض والإبهام والخيال فكم مر فيها من فاتحين ومفكرين وجحافل الجيوش ! وكم اكتنز سكانها من ذهب وفضة ، وكم تبوأ رجالاتها في مراكز سياسية مؤثرة في القارات الثلاث . وكم كانت مركزاً لانطلاق العلوم ففيها وجدت أولى الجامعات في هذه المنطقة وهي التي كانت مثوى أفئدة الناس في كل الطبقات وكم كانت مجمعاً للجمال فكانت توصف أجمل الجميلات بأنها استنبولية وهذا يكفي .

المبيت في استنبول
في مدينة استنبول لم نجد فندقاً متسعاً واحداً يلم يشمل أفراد الرحلة الكثيرين ولذلك تفرقنا على عدة فنادق شعبية وأظن أن الفندق الذي كان من نصيبي حسب توزيع مشرفي الرحلة فندق ( سلجوق ) وتشعر بالقدم والتاريخ في كل زاوية من زواياه حتى صاحبه الطيب كانت ملابسه فلكلورية سروال عريض وزنار فلكلوري وسترة مزينة بالنقوش القديمة حتى لباس يشبه خليطاً من ملابس رؤوس الجيش الانكشاري مع لمسة من العصر الحاضر .
في هذا الفندق المتوضع وكان أجرة المبيت فيه حوالي 6 – 7 ليرات تركية ما يعادل / 1.5 / سورية ، آنذاك حدث فيه أمران طريفان الأمر الأول كان يتجمع في الفندق مواطنون أتراك بسطاء عندما عرفوا بوجودنا تذكروا أننا عرب ويظهر أن الحديث تطور بينهم ففريق منهم يظهر أنهم كانوا معجبون بالزعيم جمال عبد الناصر والفريق الآخر كان محافظ ومعجباً بملك السعودية ( الملك فيصل ) ونظن من مجرى النقاش الحامي الذي دار بينهم أن كل فريق كان يمجد أحد الزعيمين الشمعيين والعراك يأخذ مجراه بين فردين منهما لولا عصا صاحب الفندق التي ضربها على الأرض مع زمجرة كلمات لم نفهما عند ذاك وقال صاحبي الذي سيشترك بغرفتي لو كان هذا فندقاً فخماً فهل كان نزلاؤه سيختلفون أم أن الاختلاف وقف على الفقراء حتى في تركيا ؟
* * *
وأظن أن صاحب الفندق عندئذ قال عن الزعيمين أنهما عظيمان أو ما يقابل ذلك. أما الأمر الثاني الذي حدث في الفندق وكان بطله صاحب الفندق الذي أطلقنا عليه ( سلجوق آفندي ) . أصر المشرفون على الرحلة أنه يجب أن نغادر استانبول في اليوم التالي الساعة ( السادسة صباحاً ) وقد أبدينا رغبتنا في تمديد المهلة إلى السابعة ولكنهم أصروا على موقفهم وأنهم سيمرون على الفنادق الثلاثة ويوقظون نزلائهم ويجمعونهم للانطلاق خارج استانبول وفق الخطة ، فسلمنا أمرنا إلى الله وإلى أوامر المشرفين . ولكن حدث في صبحة اليوم التالي أن أقبل المشرفون يطرقون باب الفندق وصاحبه العتيد يحرس بوابته فعندما أقبلوا مبكرين رفع عليهم عصاته مزمجراً مهدداً وأنه حرام إيقاظ الركاب ولهذا لم ينطلق الباص إلا في الثامنة وهذا يفضل السلجوقي الذي لم تكلفه ذلك لقد جاءت رمية من غير رام .




جزيرة بيوك أضنا ( الجزيرة الكبرى )
كانت النسوة يشكلن أكثر من نصف أعضاء الرحلة ولذلك كانت لهم كلمة مسموعة ومؤثرة في تسيير الباص وكلما شاهدن جمال السيدات في بلد ما يردن مغاردته باتجاه الشمال .
وكن يصبن بخيبة أمل عندما يجدن أن الجمال يزداد في اتجاه الشمال ، ولذلك كانت أسعد لحظاتهن في هذه الرحلة عندما يكمن في الباص بجانب أزواجهن ويتكتلن لتنفيذ مقترحاتهن وكانت مرشدتهن في ذلك سيدة وهي في الوقت نفسه إحدى مديرات المدرسة فكانت كلمتها مسموعة ونصائحها معتبرة بين سيدات الباص خاصة .
وقد كان من برنامج الرحلة أن نزور جزيرة ( بيوك أضا ) وقد اشتراك معظم أعضاء الرحلة في أخذ مقاعدهم في الباخرة الفخمة التي تطوف جزر مرمرة بشكل دوري .
وبعد التمتع بمرأى مقاعد السفينة وسيرها وصلنا هدفنا المنشود وهي الجزيرة التي تسمى أميرة الجزر وأغلب سكانها من التجار الأثرياء واليونان . ميناء الجزيرة فأفرغت السفينة معظم قاصدي الجزيرة وانطلقت وقد تجمع على شاطئها المرتفع بنات هذه الجزيرة ينتظرن أقاربهن وأصدقائهن وفي الجانب الآخر هال هذا المنظر سيدات الباص حيث قالت زعيمتهن بلهجتها العامية ما هذه البنات كأنهن غاية ، يا بنات كل واحدة لتمسك زوجها وتربص حتى قدوم الباخرة لا تدعوهم يفلتون .
* * *
وفعلاً فقد كانت بنات الجزيرة في غاية الأناقة والجمال وخاصة أنهن من أبناء الأثرياء ولذلك فقد هال منظرهن سيدات الباص وأسقط في ورعهن خطر هذا التجمع البشري من بنات حواء .
وقد تجمع الأزواج المساكين في منطقة الانتظار على المقاعد الخشبية المزعجة حتى أن الزوجة الأرمنية الجميلة خافت أيضاً على زوجها وانضمت إلى زميلاتها سيدات الباص ، ورغم أن تلك الغابة من البنات كما روضتها إحدى السيدات انفضت وخلت الجزيرة إلا من أماكنها السياحية وعرباتها التقليدية فإن السيدات بقين متحصنات في ذلك الركن الضيق من الجزيرة وحرمن أزواجهن حتى من مشاهدة الأماكن السياحية إلا أن أحد الأزواج المرحين استطاع الإفلات وركب عربة لوحده دار فيها أنحاء الجزيرة الجميلة .

ملاحظات عامة
أجد بمفكرتي أنني رسمت سائق الباص بشكل مهول وبعض الركاب كما دونت ما يلي ( كيلو الخبز أقل من ليرة وكيلو اللحم 1.25 ليرة ) وأن تلك العبارة تتكرر باستمرار ( سوكاتر ) أي اجلب ماء .

مغادرة استانبول
في تمام الساعة الثامنة من 12 / 7 / 1966 غادرنا استانبول باتجاه بلغاريا وقد سرنا بالطريق رقم 97 / 1 = l بدل 0 – e الذي كنا نسير ضمنه سابقاً .
ووصلنا الحدود الساعة 12.30 ظهراً فاستقبلنا رجل الحدود البلغاري بكلمة السلام عليكم مع التحية وبدأ بعمله بانتظام لمدة ساعتين وسرنا في الأراضي البلغارية وكانت الخضرة تزداد تنوعاً وكثافة حول الطريق من المراعي والبساتين والحدائق تحتل جانبي الطريق وإلى مدى البصر حتى لا يخال الإنسان أنه لا يوجد تراب في أوربا .
ومما زاد جمال المنظر البيوت ذات الجدران البيضاء والسقوف القرميدية التي تشكل كلاً جمالياً يريح البصر ويرضي الذوق كما أن أشجار الفاكهة تأخذ أمكنة شاسعة على طرفي الطريق وكأنها تغري الآكلين .

الشعب البلغاري
يمتاز الشعب البلغاري كجاره الشعب التركي بالبساطة وحسن الضيافة والمجاملة ويشعرك أغلب البلغاريين كأنك في بيتك بابتسامتهم الرفيعة ومعاملتهم اللطيفة حتى في المطعم شعرنا كأننا في بيتنا .
وقد استفسرت من عاملة المطعم عن اللحم الموجود عندهم إذ كنا مسلمين وميسحيين نبتعد عن لحم الخنزير فلم تفهم بأية لغة إلى أن رسمت شكل الخروف فأشارت وللأسف الشديد لا يوجد غيره فاطمأن قلبنا . وقد لاحظت في بلغاريا أن الأسعار رخيصة في ذلك الوقت فقد تناولنا الطعام بما يعادل ليفا ونصف وعند مغادرة المطعم انطلق السائق على غير عادته بسرعة بباصه الضخم ولذلك صفق له السائقون البلغار على جانبي الطريق .

في صوفيا
تمتاز صوفيا عاصمة بلغاريا بأنها مدينة تعبر عن شعبها فهي تلقاك مرحبة بكثرة حدائقها وجمال أبنيتها المتواضعة وشعبها المحب للمساعدة وقد كان يصيبنا أن في أحد فنادق الطلبة وهو بناء جميل وزجاج نوافذه من طبقتين والمطعم ملحق بالفندق وأظن أنه قدم لنا الطعام والحلوى وكانت الحلوى لبناً بسكر .
وافتتحنا صباح يومنا التالي بمشاهدة معالم صوفيا وأهم ما فيها كنيستها المزينة بالرخام والذهب والإيقونات . كما زرنا بعض القصور الأثرية القديمة وقد لاحظت في الشوارع أن أغلب من يقوم بتنظيفه هن من النساء ولكن الطريف استعمال سفايات طويلة حتى لا تحني المرأة ظهرها ولذلك فإن شوارع صوفيا نظيفة لأن هذا العمل من نصيب النساء غالباً .
وقد اتجهنا بعد ذلك إلى زيارة المجمع ( سوق بست طوابق ) اختص كل قسم بنوع من أنواع البضائع وبعضها ( للكماليات وأخرى للملابس وقد لفت نظري أن سعر ربطة العنق يعادل ( 8 ليفا ) وسعرها يعتبر مرتفعاً ، أما الزجاجيات فرخيصة وأحد بعض معاني الكلمات في البلغارية مثل ( فودا ـ ماء ) ( دوبري ـ صيد ) ( دا ـ نعم ) كما أجد معاني الأرقام ومن الملاحظ أن البلغاريين يلبون دعوة الغريب إذا ضاع برحابة صدر ولدي قصة حدثت في بلغاريا .

يوغسلافيا
غادرنا صوفيا يوم 15 منه 1966 ووصلنا الحدود 5.5 صباحاًَ متجهين إلى نحو العاصمة بلغراد وقد رافقنا الخضرة عن شمالنا ويميننا وعند وصولنا العاصمة وجدنا كل شيء أخضر من ( الترام ) إلى نهر الدانوب العظيم وشاهدنا أبنية حديثة ضخمة واتجهنا إلى بيت الشباب الذي يخصص لمبيتنا .
من الطريف إنني لم أشاهد الأطفال في الشوارع وإذا وجد فيحاصرهم الشباب ليعودوا إلى أماكن تجمعهم .
وفي بيت الشباب حدث أمر طريف فعندما اختار كل منا شريكه وغرفته توجه أغلبنا إلى الحمامات الساخنة فوجد أحدنا ساعة يد ثمينة فظنها لشابين فأعطاهما إياها وكانا يتمنعان ثم أخذاها بحياء وصرنا نتضاحك من غباوتهما ولكن اتضح فيما بعد أن الساعة لأحد زملاء الرحلة وقد استطاع البعض استرجاعها بصعوبة لأن الشابة التي أخذتها كانت تظنها هدية .
وفي يوغسلافيا شاهدنا بعض الطلبة العرب وعددهم كبير في يوغسلافيا حيث أنه يتم في هذا البلد أمر بالغ التأثير لا ينتبه إليه إلا القلة حيث تسهل يوغسلافيا الدخول إليها بشكل مجاني ولذلك ترى أعداد كبيرة من الطلاب وفي أنحاء الوطن العربي يدرسون في جامعاتها ويصرفون مبالغ هائلة من القطع الأجنبي ولكن ليس هنا ما يريب ولكن الشيء البالغ الخطورة أن أي طالب هناك يقضي ضعف المدة أو أكثر لينال شهادته وقد ألح علي بعض الطلاب أن انتبه إلى هذه الظاهرة إلى كل من يريد أن يدرس في يوغسلافيا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رحلة عام 1966 إلى أوربة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ملامح إنسانية في رحلة عام 1966

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع محمد فيصل شيخاني :: محـــاضــرات-
انتقل الى: